إنّ هذه التساعية هي مجموعة قراءات من المؤرّخ واللاهوتي تِوَادُرِيطُس القُورشيّ (بين 458 و 466) الذي عاصر القديس وكتب عن أصله ودعوته وعن حلمه النبويّ، عن صومه خلف باب مُوصد، وصيامه الكبير، ووقوفه على الجبل المقدّس في مهبّ العواصف ليتناول بعدها شهرة سمعان وقيامه فوق عمود، وصلاة سمعان وإرشاد الشعب ليعلن في النهاية أنه مهما تحدّث عنه فإن روايته ناقصة .(نقلًا عن موقع نورسات)
+ باسم الآب والابن والروح القدس الاله الواحد آمين.
اليوم الأول: أصْلُ سمعان ودعوته
هناك، على الحدود بين بلادنا وكيليكية، بلدة تُدعى صيصْ، فيها وُلِدَ سمعان وأخذ عن والديه رعاية المواشي على مثال الرّجال العظام: يعقوب أبي الآباء، ويوسف العفيف، وموسى المُشترع، وداود النبيّ والملك، وميخا النبيّ، وسائر الرِّجال المُلهمين الذين اقتدوا بهؤلاء. وذات يوم حيث كان الثلج كثيفًا والقطيع مضطرًّا إلى البقاء محبوسًا في الحظيرة، إغتنم سمعان هذه المناسبة ليذهب مع والديه إلى بيت الله. وأنا قد وَقفْتُ على هذا الحادث من فمه نفسه، قال لي إنّه سمع وقتئذٍ صوت الإنجيل يطوِّب الذين ينوحون ويحزنون، ثم يُعلن الويل للذين يضحكون، ويمدح أنقياء القلوب وكلّ ما يتبع ذلك (متى 5:5 – 8، ولوقا 6: 21- 25). فسأل حينئذٍ أحد الحاضرين ما العمل لنيل كلّ ما جاء ذكره، فأشار عليه بالحياة النسكيّة.
الأبانا، السلام والمجد
طلبة وزيّاح مار سمعان العمودي الصغير
اليوم الثاني: حُلمٌ نبويّ
تابع سمعان حديثه لي قائلًا: "إلتقطْتُ بذار الكلام الإلهيّ، وخبّأته بإتّقانٍ في عمق أتلام نفسي، وأسرعت إلى ضريح الشهداء في جوارنا، حيث إرتميْتُ على ركبتيّ وجبهتي على الأرض، سائلًا ذاك الذي يريد أنَّ كلَّ الناس يَخلصون، أن يدلّني على الطّريق التي تؤدّي بي حتّى النّهاية إلى التقوى". ولمّا انقضى وقت طويل وهو على هذه الحال، أخذه نعاسٌ لذيذٌ وشاهد في الحلم هذه الرؤيا، قال "كنت أحسب نفسي أنّني أحفر أساسًا، وأنَّ واحدًا واقفًا إلى جانبي يقول لي أن أعمّق الحفرة، فتابعت الحفر بلا هوادة، دون أن أرتاح من تعبي. وبعد أن كرّر أمره هذا ثلاث أو أربع مرّات، قال لي أخيرًا إنّ العمق كافٍ، ثم أمرني حينئذٍ أن آخذ في البناء دون تعب، لأنّ التعب كلّه قد زال، فيقوم البناء بلا عناء". والوقائع سوف تشهد بصحّة هذه النبوءة، لأنّه بعد ذلك قد حدثَتْ أمور تفوق الطّبيعة.
الأبانا، السلام والمجد
طلبة وزيّاح مار سمعان العمودي الصغير
اليوم الثالث: سمعان يصوم خلفَ بابٍ موصد
بعد أن قضى سمعان عند الإخوة مدّةً من الزمن، رحل إلى سفح الجبل الذي هو اليوم يقيم على قمّته، ووجد له هناك بيتًا صغيرًا قضى فيه ثلاث سنواتٍ محبوسًا. ثمّ طمعًا منه بالمزيد المتواصل من اكتناز الفضيلة، أحبّ، على مثال موسى وإيليّا، أن يصوم أربعين يومًا دون أن يتناول طعامًا. فحاول أن يقنع بذلك باسوس العجيب، الذي كان آنذاك يقوم بجولةٍ على القرى لزيارة كهنة الريف. فطلب إليه أن لا يُبقي شيئًا في صومعته، وأن يوصد الباب عليه ويطليه بالطّين. ولكن لمّا صار يُنبّهه إلى خطورة هذا العمل، ويحرّضه على أن لا يحسب الإنتحار فضيلة، لأنّها الجريمة الأولى والعظمى، أجابه سمعان "إذا كان الأمر هكذا، فاترك لي جانبًا عشر خبزات وجرّة ماء. فإذا رأيتُ أنّ جسدي بحاجةٍ إلى تغذية، أتناول منها". وكان كما قال. فوضع له ما يلزم وأوصد الباب بالطّين. ثم بعد أربعين يومًا، عاد رجل الله العجيب باسوس. ولمّا نزع عن الباب غشاوة الطّين وعَبَر، وجد الخبزات على حالها كما تركها، وجرّة الماء ملأى. أمّا سمعان فكان خائر القوى، لا يتنفّس ولا يتكلّم وغير قادرٍ أن يأتي بحركة. حينئذٍ أحضر باسوس إسفنجةً بلّل فمه، فصار يتلمّظ، ثم ناوله شِكلْي الأسرار الإلهيّة، فتقوّى باقتبالها، ثم انتصب واقفًا، وأخذ شيئًا من الطعام. وعاد باسوس العظيم إلى ديره وهو منذهل جدًّا، وروى لإخوانه تلك الأعجوبة العظمى.
الأبانا، السلام والمجد
طلبة وزيّاح مار سمعان العمودي الصغير
اليوم الرابع: سمعان والصّيام الكبير
أعود إلى سمعان العظيم وأقول: إنّه منذ ذلك الوقت حتّى يومنا
هذا – وقد مضى على ذلك ثمانٍ وعشرون سنة - لا يزال يقضي الأربعين يومًا دون أن يأكل. ومع الوقت والتّدريب، أصبح تعبه نوعًا ما أقلَّ وطأةً فقد كان من عادته في الأيام الأولى أن يبقى واقفًا ورافعًا التّسبيح ثمّ عندما لا يعود يتمكّن من الوقوف، بسبب الإرهاق من جرّاء الصِّيام، كان حينئذٍ يجلس ويقيم خدمته الإلهيّة قعودًا. ثمّ في الأيام الأخيرة كان يتمدّد، لأنّ قوّته تكون قد ضعفت وتلاشت، فيصبح مضطرًّا إلى البقاء مستلقيًا شبه مائت. ولمّا جعل إقامته على العمود رافضًا النزول عنه، إستنبط حيلةً لكي يبقى واقفًا، فثبّت خشبةً على عموده، ثمّ ربط نفسه عليها بحبال، ولبث واقفًا هكذا الأربعين يومًا. ثمَّ بعد ذلك حيث كان قد أعطي نعمةً عظمى من العلاء، لم يعد بحاجةٍ إلى تلك الواسطة، بل ظلَّ يقف الأربعين يومًا، دون طعام، ويستمدُّ القوّة لأجل ذلك من شجاعته ومن النعمة الإلهيّة.
الأبانا، السلام والمجد
طلبة وزيّاح مار سمعان العمودي الصغير
اليوم الخامس: على الجبل المقدّس في مهبّ العواصف
بعد أن قضى سمعان كما سبق وقلت، ثلاث سنواتٍ في ذلك البيت الصّغير، إنتقل إلى تلك القمّة الشّهيرة، حيث أوعز إلى من يلزم، بقيام سياجٍ صغيرٍ على شكل دائرة، وبعد أن استحضر سلسلةً حديديّةً طولها عشرون ذراعًا، ثبّت طرفها الواحد في صخرةٍ ضخمة، وربط طرفها الثاني في رجله اليمنى كي لا يتمكّن، ولو أراد، أن يتجاوز مسافةً محدودة. وبقي هكذا باستمرارٍ في الدّاخل، يتأمّل في السماء، ويبذل وسعة لمشاهدة أقصى أعاليها، لأنّ الرّباط الحديديّ كان لا يمنعه طبعًا عن الإختطاف بالرّوح. ولكنّ ملاتيوس العجيب، الذي كان قد أوعز إليه وقتئذٍ أن يتفقّد منطقة أنطاكية، وكان رجلًا فطنًا وصافي الذّهن وحكيمًا، قال لسمعان إنّه ليس بحاجةٍ إلى مثل هذه السلسلة الحديديّة، لأنّ ضميره كان يكفي لأنّ يفرض قيودًا روحيّة على جسده، فاقتنع هذا ولبّى بخضوعٍ النصيحة.
الأبانا، السلام والمجد
طلبة وزيّاح مار سمعان العمودي الصغير
اليوم السادس: شهرة سمعان وقيامه فوق عمود
سرعان ما انتشر خبر سمعان في كل مكان، وصار الناس يتراكضون إليه، ليس من الأماكن المجاورة فحسب، بل من مسيرة أيام كثيرة أيضًا، فكان بعضهم يأتونه بمخلّعيهم، وغيرهم يسألونه شفاء مرضاهم، وآخرون يطلبون منه العون ليصبحوا آباء، حتّى إنّ كلّ ما لا يمكن نيله من الطبيعة، كانوا يلتمسونه منه فينالونه. ولمّا كانوا يحصلون على مبتغاهم باستجابة طلبهم، كانوا يعودون فرحين إلى منازلهم، فيشيدون بما قد حصلوا عليه من النّعم. وفي النتيجة كانت تتكاثر وتتضخّم الوفود المقبلة إليه في طلب حاجاتهم المتنوّعة. ولم يكن هؤلاء كلّهم من أبناء مملكتنا فحسب، بل كان هناك أيضًا الإسماعيليّون والفرس والأرمن وكلّ شعوب البلاد الداخليّة. وكان يأتيه أيضًا الكثيرون من أقصى الغرب كالإسبان والبريطانيّين والغالييّن والإيطالييّن. كانوا يتهافتون إلى لمسه والتبرّك بلمسهم ثيابه الجلديّة الشهيرة. ولكنّه هو كان يعدّ هذا المزيد من الإكرام في غير محلّه. ثمّ صار هذا يسبّب له إنزعاجًا لا يحتمل، فخطر له أن يقيم فوق عمود، وطلب أن يكون هذا العمود بعلوِّ ستة أذرع، ثمّ بإثني عشر ذراعًا، وبعد ذلك بإثني وعشرين، والآن بستةٍ وثلاثين، لأنّه صار يصبو إلى السماء والإنتقال من هذه الحياة الأرضيّة.
الأبانا، السلام والمجد
طلبة وزيّاح مار سمعان العمودي الصغير
اليوم السابع: صلاة سمعان
أكثر ما يدهشني في هذا كلّه صلابة نفس سمعان على الإحتمال، فهو ينتصب واقفًا ليل نهار، على مرًاى من الجميع. فقد رفع الأبواب، وهدم قسمًا لا يستهان به من السّور، وبدا ظاهرًا للجميع في مشهدٍ جديدٍ وغريب. فهو تارةً ينتصب واقفًا مدّةً طويلة، وأخرى يسجد سجداتٍ متواصلة، في تأدية العبادة لله، حتى إنّ الكثيرين من الحاضرين يأخذون في عدّ سجداته. وأذكر أنّ مرّةً كان أحدهم في معيّتي وصار يعدّ السجدات. وبعد أن بلغ في العدّ حتى ألفٍ ومئتين وأربع وأربعين سجدة، ضجر وتوقّف عن العدّ. وكان في انحنائه يوصل جبهته حتى أصابع رجليه، ذلك لأنّ معدته التي لا يصل إليها الطعام إلاّ مرّةً في الأسبوع، وبكميّةٍ ضئيلة، هي التي تسهّل له إحناء الظهر.
وفي المواسم الكبرى الشعبيّة، يقدّم لنا سمعان نوعًا آخر من الإحتمال، ذلك أنّه، بعد غياب الشمس وحتّى شروقها في الأفق، يبقى واقفًا الليل كلّه، رافعًا يديه نحو السماء، دون أن يميل إلى النّعاس ودون أن يغلبه التعب.
الأبانا، السلام والمجد
طلبة وزيّاح مار سمعان العمودي الصغير
اليوم الثامن: إرشاد الشعب
في وسط كل أعماله الشاقّة وضخامة مآثره ووفرة عجائبه، كان سمعان من بساطة الذهن كآخر الناس جميعًا في الإستحقاق. وفضلًا عن ذلك تراه قريب المنال جدًا، لطيفًا وظريفًا ومجيبًا إلى كل من يكلّمه، عاملًا كان هذا أم مُعوِزًا أم فلاحًا. وقد حاز ايضًا من لدن الربّ، موزّع المواهب العظيمة، نعمة الإرشاد. فهو يقوم بإرشاد الشعب مرتين في النهار، فيغدق على سامعيه فيضًا غزيرًا من الكلام العذب، مقدّمًا لهم عِلْمَ الروح الإلهيّ، وطالبًا منهم أن يرتفعوا بأذهانهم إلى السماء، ويتغرّبوا عن الأرض، ويتمثّلوا الملكوت المنتظر.
وبعد أن يكون استمع إلى كل منهم وأجرى بعض الأشفية، يبادر إلى حلّ الخلافات القائمة بين الفرقاء المتنازعين. ثم يعود حول غياب الشمس إلى حديثه عن الله
الأبانا، السلام والمجد
طلبة وزيّاح مار سمعان العمودي الصغير
اليوم التاسع: رواية ناقصة
إنّني، في ما رويته عن سمعان، حاولت أن أشعر قرّائي بالمطر، إنطلاقًا من نقطة ماء، وأن أذيقهم طعم العسل .
لكنّ الوقائع التي يشيد بها الجميع هي ألف مرّةٍ أكثر ممّا رويته هنا.
وعلى كل حال، لم يكن قصدي أن أدوّن كل شيءٍ في الكتابة، بل أن أشير ببعض الأمثلة، إلى طريقة كل قدّيسٍ في الحياة. وأنا أتوقّع، كما هو طبيعيّ، أن الكثيرين غيري يروون المزيد عنه، وإذا أعطي له أن يعيش أكثر، سوف يضيفون إلى ذلك وبدون شكّ مآثر أعظم.
أمّا بالنسبة إليّ، فإنّي أصلّي برجاءٍ وبمؤازرة صلوات سمعان نفسه، كي يستمرّ في متابعة مآثره الرائعة، لأنّه في الحقيقة هو للعالم أجمع زينة للتقوى، وكي تصبح حياتي أنا نفسي سائرةً على هدى حياته، موجّهةً صوب الطريق الإنجيليّة.
الأبانا، السلام والمجد
طلبة وزيّاح مار سمعان العمودي الصغير
صفحات ذات صلة:
طلبة مار سمعان العمودي الصغير
زياح مار سمعان العامودي الصغير